تعد قدرة المتهم على المشاركة الواعية في الإجراءات الجنائية مبدأً أساسياً في نظامنا القانوني، وهو أمر ضروري لضمان الحق في الدفاع. وقد قدمت محكمة النقض، بموجب الحكم رقم 27268 المؤرخ في 07/07/2025، توضيحاً حاسماً لصلاحيات وواجبات قاضي التحقيق الأولي (GIP) فيما يتعلق بتقييم هذه القدرة. هذا القرار، الذي ألغى دون إحالة قراراً صادراً عن قاضي التحقيق الأولي في محكمة بيسكارا، له أهمية كبيرة لجميع العاملين في مجال القانون ويستحق تحليلاً متعمقاً لفهم آثاره العملية.
تنص المادة 70، الفقرة 3، من قانون الإجراءات الجنائية على أن يأمر القاضي بإجراء خبرة إذا كانت هناك أسباب للاعتقاد بأن الحالة العقلية للمتهم تمنعه من المشاركة الواعية في الإجراءات. يهدف هذا النص إلى حماية المتهم من محاكمة قد لا يكون فيها قادراً على فهم الاتهامات أو ممارسة حقوقه بالكامل. يمكن أن يأتي طلب التقييم من النيابة العامة، أو من الدفاع، أو يمكن للقاضي أن يأمر به من تلقاء نفسه. يركز الحكم المعني على الشروط التي تستدعي إلزام قاضي التحقيق الأولي بإجراء هذا التقييم الفني.
حدد الحكم رقم 27268/2025 الصادر عن محكمة النقض بدقة حدود تدخل قاضي التحقيق الأولي. وينص المبدأ على ما يلي:
فيما يتعلق بقدرة المتهم على المثول أمام المحكمة، فإن قاضي التحقيق الأولي، عند تلقيه، بموجب المادة 70، الفقرة 3، من قانون الإجراءات الجنائية، طلباً من النيابة العامة لتقييم قدرة المشتبه به على المشاركة الواعية في الإجراءات، لا يُلزم بإجراء خبرة إذا كان يمتلك بشكل مستقل عناصر تقييمية تدل على عدم قدرة الشخص الخاضع للتحقيق، ولكنه ملزم بإجرائها، في شكل حادثة إثباتية، عندما، حتى على أساس ادعاءات النيابة العامة، يظهر "الاشتباه" في عدم القدرة المذكورة.
يميز هذا القرار بين حالتين. لا يُلزم قاضي التحقيق الأولي بإجراء خبرة إذا كان يمتلك بالفعل عناصر مستقلة وكافية تثبت بوضوح عدم قدرة المشتبه به، مما يجعل التقييم الفني الإضافي غير ضروري. ومع ذلك، فإن واجب إجراء الخبرة، في شكل حادثة إثباتية (المادة 392، الفقرة 2، من قانون الإجراءات الجنائية)، يصبح إلزامياً بشكل لا لبس فيه عندما، بناءً على طلب النيابة العامة والعناصر المرفقة، يظهر "الاشتباه"، أي مؤشر جاد ومؤسس، على عدم القدرة المحتملة. هذا "الاشتباه" لا يتطلب دليلاً قاطعاً، بل شكاً معقولاً في أن المشتبه به قد لا يكون قادراً على المشاركة الواعية في المحاكمة. هذا التمييز حاسم لتحقيق التوازن بين كفاءة الإجراءات وحماية الحقوق الأساسية.
لتفعيل إلزام قاضي التحقيق الأولي بإجراء الخبرة، يجب على النيابة العامة إرفاق عناصر قد تثير "الاشتباه" في عدم القدرة. يمكن أن تشمل هذه العناصر:
يعد الحكم رقم 27268 لعام 2025 الصادر عن محكمة النقض نقطة مرجعية أساسية لتطبيق المادة 70 من قانون الإجراءات الجنائية. وهو يؤكد مجدداً على أهمية قدرة المتهم لتحقيق العدالة في المحاكمة الجنائية، مع توفير الوضوح في الوقت نفسه بشأن صلاحيات وواجبات قاضي التحقيق الأولي. يوازن القرار بين عدم ضرورة الخبرات غير الضرورية، إذا كان عدم القدرة واضحاً بالفعل، مع الالتزام الذي لا يمكن التنازل عنه بالتقييم الفني في وجود "اشتباه" في عدم القدرة. هذا النهج يحمي الحقوق الأساسية للمتهم، ويضمن محاكمة عادلة، مع الحفاظ على عقلانية النظام القضائي. بالنسبة للعاملين في مجال القانون، يؤكد الحكم على أهمية التقييم الدقيق والإرفاق الصحيح للأدلة لدعم طلبات التقييم.