في عالم قانون التأمين المعقد، يكتسب تفسير البنود التعاقدية أهمية قصوى، حيث يمكن أن يحدد ما إذا كانت تغطية التأمين سارية المفعول أم لا. يقدم تدخل حديث من محكمة النقض، الأمر رقم 17323 بتاريخ 27/06/2025، توضيحات قيمة بشأن معادلة "أعمال التحقيق" بطلب رسمي للتعويض عن الضرر في سياق بوالص المسؤولية المدنية. هذا الحكم ذو أهمية كبيرة لأي شخص يتعامل مع مطالبة أو يفسر شروط بوليصة التأمين الخاصة به، حيث يوفر بوصلة للتنقل بين طيات العقد.
يهدف تأمين المسؤولية المدنية، المنصوص عليه في المادة 1917 من القانون المدني، إلى تعويض المؤمن له عن المبالغ التي يلتزم بدفعها لأطراف ثالثة كتعويض عن الضرر. غالبًا ما تتضمن البوالص بنودًا تعادل الطلب الرسمي للتعويض بمجرد علم المؤمن له بـ "أعمال تحقيق" تتعلق بالسبب الذي أدى إلى المسؤولية. تم تصميم هذا الحكم لتوقع مرحلة تفعيل التغطية، مما يسمح للمؤمن بالتدخل في الوقت المناسب.
ومع ذلك، فإن صياغة هذه البنود يمكن أن تولد شكوكًا: ما هي أعمال التحقيق الكافية؟ هل يجب أن تكون موجهة بشكل خاص ضد المؤمن له؟ أجابت المحكمة العليا، من خلال الأمر رقم 17323/2025، على هذه الأسئلة، واضعة حدًا تفسيريًا أساسيًا.
فيما يتعلق بتأمين المسؤولية المدنية، فإن بند البوليصة الذي يعادل طلب التعويض عن الضرر بمعرفة "أعمال تحقيق"، مهما كانت طريقة معرفتها وتتعلق بالسبب الذي أدى إلى المسؤولية، لا يمكن اعتباره ساري المفعول إلا إذا كانت هذه الأعمال قابلة للإدراك على أنها موجهة بشكل لا لبس فيه نحو التحقق من الحقائق التي يمكن أن تؤدي إلى المسؤولية المدنية للمؤمن له المنصوص عليها في العقد.هذه القاعدة من المحكمة العليا ذات أهمية أساسية لأنها توضح جانبًا حاسمًا من بوالص تأمين المسؤولية المدنية. في الأساس، لا يكفي أن يعلم المؤمن له بوجود تحقيق عام لتفعيل تغطية التأمين. يكون البند الذي يعادل معرفة "أعمال تحقيق" بطلب التعويض عن الضرر ساري المفعول فقط إذا كانت هذه الأعمال قابلة للإدراك بشكل لا لبس فيه على أنها موجهة للتحقق من الحقائق التي قد تنشئ مسؤولية مدنية للمؤمن له. هذا يعني أن التحقيق يجب أن يكون محددًا وموجهًا لتحديد ما إذا كان المؤمن له قد ارتكب مخالفة مدنية تقع ضمن نطاق تغطية البوليصة. لا يكفي مجرد خبر عن تحقيق، بل يلزم وجود مؤشر واضح على أنه يهدف إلى تحديد مسؤولية مدنية محتملة على عاتق المؤمن له.
شهدت القضية التي أدت إلى الأمر رقم 17323/2025 نزاعًا بين أ. (د. ل. ن.) و أ. (م. س.). تتعلق القضية ببوليصة تأمين مسؤولية مدنية أبرمتها منشأة صحية. قبل إبرام العقد، تم إجراء أعمال تحقيق من قبل السلطة القضائية، ولكن ليس ضد موظفي المنشأة الصحية المؤمن عليها، بل ضد زوج الضحية.
استبعدت محكمة استئناف روما أن مجرد إجراء أعمال التحقيق هذه يمكن أن يجعل المعادلة المنصوص عليها في البوليصة سارية المفعول. أكدت المحكمة العليا هذا القرار، ورفضت الاستئناف. الدافع واضح: يجب أن تكون أعمال التحقيق، لتفعيل البند، "موجهة بشكل لا لبس فيه نحو التحقق من الحقائق التي يمكن أن تؤدي إلى المسؤولية المدنية للمؤمن له المنصوص عليها في العقد".
في الحالة المعروضة، لم تكن أعمال التحقيق موجهة ضد موظفي المنشأة الصحية المؤمن عليها، بل ضد طرف ثالث (زوج الضحية). لذلك، لم يكن من الممكن اعتبارها موجهة بشكل لا لبس فيه لتحديد مسؤولية مدنية للمنشأة نفسها، وبالتالي لم يكن من الممكن تفعيل شروط الضمان المنصوص عليها في البوليصة. يؤكد هذا على أهمية القراءة الدقيقة والمفصلة للبنود التعاقدية، بما يتماشى مع مبادئ تفسير العقود المنصوص عليها في المادة 1362 من القانون المدني.
يقدم الأمر رقم 17323 لعام 2025 توجيهات حاسمة للمؤمن لهم والمؤمنين:
يعزز حكم محكمة النقض بالأمر رقم 17323 بتاريخ 27/06/2025 مبدأ التحديد في تفسير البنود التأمينية. بالنسبة لبوالص المسؤولية المدنية، فإن مجرد خبر عن تحقيق لا يكفي لتفعيل التغطية إذا لم يكن موجهًا بوضوح ولا لبس فيه للتحقق من المسؤولية المدنية للمؤمن له. يؤكد هذا القرار على أهمية فهم المؤمن لهم لشروط بوالص التأمين الخاصة بهم بعمق، وفي حالة الشك، يجب عليهم اللجوء إلى متخصصين قانونيين لتفسير صحيح. في الوقت نفسه، يدعو المؤمنين إلى صياغة بنود أكثر وضوحًا ودقة، لتجنب النزاعات وضمان أقصى قدر من الشفافية في العلاقات التعاقدية.