تعد الإجراءات الجنائية الإيطالية آلية معقدة وحساسة، لا تهدف فقط إلى التحقق من الحقيقة بل أيضًا إلى الضمان الصارم للحقوق الأساسية. في هذا السياق، يكتسب دور الشهادات، وخاصة إدارة المعلومات المكتسبة خلال المراحل الأولية، أهمية بالغة. قدمت محكمة النقض، في حكمها الأخير رقم 26387 بتاريخ 17/04/2025 (المودع بتاريخ 18/07/2025)، تفسيرًا توضيحيًا حول حدود قابلية استخدام هذه الإفادات، خاصة عندما يقوم شاهد، تم استدعاؤه للإدلاء بشهادته في المحاكمة، بسحب أو تعديل ما صرح به سابقًا. هذا القرار ذو أهمية أساسية لفهم ديناميكيات المحاكمة والتكوين الصحيح للأدلة في نظامنا القانوني.
يقوم نظام الإجراءات الجنائية لدينا على مبدأ "المحاكمة العادلة"، وهو ركيزة أساسية نصت عليها المادة 111 من الدستور الإيطالي. تضمن هذه المادة أن تتم كل محاكمة في ظل مبدأ المواجهة بين الأطراف، في ظروف من المساواة، أمام قاضٍ محايد وغير متحيز. أحد الجوانب الرئيسية هو حق المتهم في مواجهة المدعي، أي الحق في استجواب الشاهد. في هذا الإطار الدستوري بالذات، يندرج تنظيم الاعتراضات في المحاكمة، والذي تنظمه بالتفصيل المادة 500 من قانون الإجراءات الجنائية.
تحدد المادة 500 من قانون الإجراءات الجنائية الطرق التي يمكن من خلالها استخدام الإفادات التي أدلى بها الشاهد سابقًا (على سبيل المثال، خلال التحقيقات الأولية) أثناء المحاكمة. الهدف الأساسي لهذه الاعتراضات ليس استبدال الدليل الذي يتكون في قاعة المحكمة، في ظل مبدأ المواجهة بين الأطراف، بالإفادات السابقة. على العكس من ذلك، فإن الغرض هو اختبار مصداقية وموثوقية الشاهد الذي قد يكون قدم في المحاكمة نسخة مختلفة أو أغفل تفاصيل مهمة. فقط في حالات استثنائية، مثل السلوك غير المشروع المثبت للشاهد أو لأشخاص آخرين بهدف التأثير على شهادته (المادة 500، الفقرة 4 من قانون الإجراءات الجنائية)، يمكن للإفادات السابقة أن تكتسب قيمة إثبات مستقلة، ولكن هذا استثناء مقيد بصرامة.
يتناول حكم محكمة النقض رقم 26387/2025، الصادر عن الرئيس د. ن. والمقرر م. م. ب.، بوضوح جوهر هذه المشكلة، ملغيًا مع الإحالة قرارًا سابقًا لمحكمة استئناف تورينو. ينص مضمون هذا الحكم، وهو بمثابة منارة حقيقية للعاملين في مجال القانون، على مبدأ لا غنى عنه للإدارة الصحيحة للعدالة:
الإفادات التي أدلت بها الأشخاص المطلعون على الحقائق خلال مرحلة التحقيقات الأولية، والتي تم استخدامها في مرحلة المحاكمة للاعتراض على الشاهد ولم يؤكدها هذا الأخير، باستثناء فرضية السلوك غير المشروع المثبت وفقًا للمادة 500، الفقرة 4، من قانون الإجراءات الجنائية، لا يمكن تقييمها إلا لتقدير مصداقية المُدلي بالشهادة وليس كعنصر للتحقق، ولا كدليل على الحقائق التي تمثلها، حتى في حالة اعتبار سحبها غير موثوق به بناءً على ظروف تحقيق تم الحصول عليها "من الخارج".
هذا المقطع ذو أهمية بالغة ويستحق تحليلًا دقيقًا. تؤكد المحكمة العليا بقوة أن الإفادات السابقة للمحاكمة، أي تلك التي تم الإدلاء بها قبل المحاكمة الفعلية والتي لم يؤكدها الشاهد في قاعة المحكمة، لا يمكن أبدًا اعتبارها دليلًا مباشرًا على الحقائق التي تهدف إلى إثباتها. غرضها الوحيد والمحدود هو السماح للقاضي بتقييم مدى موثوقية ومصداقية الشاهد الذي أدلى بهذه الإفادات. بعبارة أخرى، إذا أدلى الشاهد بإفادة في مرحلة التحقيق ثم أنكرها أو عدلها أثناء المحاكمة، فإن إفاداته الأولية تخدم فقط للتشكيك في موثوقيته، وليس لإثبات أن الحقائق قد وقعت كما هو موضح في النسخة الأولية. هذا المبدأ يحمي نقاء دليل المحاكمة.
أحد الجوانب ذات الصلة بشكل خاص في المضمون هو التحديد "حتى في حالة اعتبار سحبها غير موثوق به بناءً على ظروف تحقيق تم الحصول عليها "من الخارج"". هذا يعني أنه حتى لو توصل القاضي إلى قناعة بأن سحب الشاهد في المحاكمة غير موثوق به - ربما لأنه يتعارض مع أدلة أخرى أو عناصر خارجية عن القضية ("من الخارج") - فإن الإفادات الأصلية لا تكتسب قيمة إثبات على الحقائق على أي حال. تظل مقتصرة على تقييم مصداقية الشاهد وحده. يهدف هذا التفسير الصارم إلى الحفاظ على مركزية المحاكمة ومبدأ المواجهة في تكوين الأدلة.
إن العواقب العملية لهذا القرار الهام كبيرة على النشاط القضائي، وخاصة على استراتيجية الدفاع عن المتهم. فيما يلي بعض النقاط الرئيسية التي تنبع منه:
يتماشى هذا الحكم مع اجتهاد ثابت لنفس محكمة النقض (كما هو موضح في الإشارات إلى الأحكام السابقة رقم 29393 لعام 2021، ورقم 12045 لعام 2021، ورقم 43865 لعام 2022) التي تقدر مبدأ الشفوية والفورية للدليل، مما يضمن عدم إمكانية استناد الإدانة إلى عناصر لم يتم التحقق منها بالكامل في ظل مبدأ المواجهة.
يمثل قرار محكمة النقض رقم 26387/2025 تذكيرًا هامًا ودليلًا واضحًا لجميع أطراف الإجراءات الجنائية. من خلال التأكيد بقوة على حدود قابلية استخدام الإفادات السابقة للمحاكمة، تؤكد المحكمة العليا مجددًا مركزية المحاكمة كمكان مفضل لتكوين الأدلة والتنفيذ الكامل لمبادئ المحاكمة العادلة. يضمن هذا أن يتم تقييم المسؤولية الجنائية على أسس قوية وشفافة وقابلة للتحقق بالكامل، مع حماية الحقوق الأساسية للمتهم في الوقت نفسه، امتثالًا للمبادئ الدستورية. بالنسبة لمحامي الدفاع الجنائي، يعد الفهم العميق لهذه الديناميكيات والفروق الدقيقة التي يميزها الاجتهاد أمرًا ضروريًا لبناء دفاع فعال وضمان احترام الضمانات التي لا غنى عنها للحضارة القانونية في كل مرحلة من مراحل الإجراءات.