في العصر الرقمي، أصبحت حماية البيانات الشخصية والحق في الخصوصية من القضايا ذات الأهمية المتزايدة، والتي تتداخل حتمًا مع مبدأ شفافية النشاط القضائي. كيف يمكن التوفيق بين الحاجة إلى إتاحة قرارات القضاة لأغراض المعلومات القانونية والحاجة إلى حماية خصوصية الأفراد المعنيين؟ يأتي القرار الأخير لمحكمة النقض رقم 16998 المؤرخ في 24 يونيو 2025 ليوضح هذا التوازن الدقيق، حيث يقدم تفسيرًا أساسيًا لمفهوم "الأسباب المشروعة" لإخفاء البيانات.
يعترف نظامنا القانوني، من خلال المرسوم التشريعي رقم 196 لسنة 2003 (ما يسمى بقانون الخصوصية)، ولاحقًا بالتعديلات التي تم إدخالها للتوافق مع اللائحة الأوروبية 2016/679 (GDPR)، بالحق في حماية البيانات الشخصية. على وجه التحديد، تنص المادة 52، الفقرة 1، من المرسوم التشريعي رقم 196/2003 على أنه "في الأحكام القضائية والأعمال المرتبطة بها، يُضمن حق الأطراف والغير في طلب عدم الإشارة إلى الأسماء والبيانات التعريفية الأخرى في حالة النشر لأغراض المعلومات القانونية، عندما توجد أسباب مشروعة وفي وجود ضرر ملموس وحالي للحياة الخاصة أو للكرامة".
هذا النص حاسم لأنه يسمح بالموازنة بين المصلحة العامة في معرفة السوابق القضائية وحماية المجال الخاص للأفراد. ومع ذلك، تكمن القضية المركزية في تفسير تلك "الأسباب المشروعة" التي تبرر إخفاء البيانات. متى تكون المسألة قيد النزاع حساسة لدرجة تتطلب إخفاء الهوية؟ ومن يقرر ما هو "مشروع"؟
قدمت المحكمة العليا، بموجب القرار رقم 16998 المؤرخ في 24 يونيو 2025، الصادر عن الدائرة المدنية الثالثة برئاسة القاضي د. س. والمقرر القاضي ك. ب. أ. ب.، تفسيرًا مهمًا. قضى القرار، في القضية المحددة التي كانت بين ل. (ج. ر. أ.) ضد أ. (النيابة العامة للدولة)، بعدم قبول طلب إخفاء الهوية، موضحًا نطاق "الأسباب المشروعة".
فيما يتعلق بالحق في إخفاء الهوية في إعادة إنتاج الأحكام القضائية لأغراض المعلومات القانونية، فإن "الأسباب المشروعة"، المطلوبة بموجب المادة 52، الفقرة 1، من المرسوم التشريعي رقم 196 لسنة 2003 لقبول طلب إخفاء البيانات الشخصية المستمدة من حساسية أو حساسية خاصة، بطبيعتها، للمسألة، يجب فهمها على أنها "أسباب مناسبة". (في هذه الحالة، رفضت المحكمة العليا طلب إخفاء البيانات المتعلق بقضية اعتراض على التنفيذ ضد إشعارات الدفع الصادرة عن وكالة الإيرادات، لأنه، في غياب عناصر في الاستئناف حول طبيعة سبب الدعوى، لم يكن من الممكن اعتبار موضوع النزاع، بحد ذاته، حساسًا، أو يتسم بحساسية خاصة بطبيعته).
هذه القاعدة ذات أهمية أساسية. في الواقع، لا تكتفي محكمة النقض بتأكيد ضرورة وجود "أسباب مشروعة"، بل تساويها بـ "أسباب مناسبة". هذا يعني أن التقييم لا يجب أن يكون شكليًا فحسب، بل جوهريًا: يتم تبرير إخفاء الهوية عندما تكون المسألة المعالجة "حساسة أو حساسة بشكل خاص" بطبيعتها، أي عندما تكون ملاءمة حماية الخصوصية واضحة وبديهية.
في القضية المحددة التي نظرتها المحكمة، كان طلب إخفاء البيانات يتعلق بقضية اعتراض على التنفيذ ضد إشعارات الدفع الصادرة عن وكالة الإيرادات. اعتبرت محكمة النقض أنه في غياب عناصر محددة في الاستئناف تسلط الضوء على طبيعة حساسة بشكل خاص لسبب الدعوى، فإن نزاعًا من هذا النوع لا يمكن، بحد ذاته، اعتباره حساسًا. هذا يوضح أن ليس كل نزاع قضائي يبرر تلقائيًا إخفاء الهوية، بل فقط تلك التي تمس جوانب الحياة الخاصة الحساسة بطبيعتها. تشمل أمثلة المسائل التي يمكن أن تندرج ضمن هذه الفئة:
على العكس من ذلك، فإن القضايا ذات الطبيعة الاقتصادية أو الإدارية البحتة، مثل القضية قيد النظر، لا تندرج تلقائيًا ضمن هذه الفئة.
لهذا القرار تداعيات عملية هامة. بالنسبة للمواطنين المشاركين في إجراءات قضائية، يعني ذلك أن طلب إخفاء الهوية يجب أن يكون مدعومًا بإثبات واضح لـ "حساسية أو حساسية خاصة" للمسألة. لن يكون مجرد المشاركة في نزاع قضائي كافيًا للحصول على إخفاء بياناتهم.
بالنسبة للعاملين في مجال القانون، بما في ذلك الناشرين القانونيين والمهنيين الذين يتعاملون مع المعلومات القانونية، يقدم القرار توجيهًا أكثر صرامة. يُسمح بنشر الأحكام القضائية مع البيانات التعريفية، ما لم تكن المسألة ذات حساسية واضحة وغير قابلة للجدل. هذا يعزز مبدأ شفافية العدالة، ويضع حدًا لطلبات إخفاء الهوية العامة التي قد تعيق نشر الثقافة القانونية.
يمثل القرار رقم 16998 لسنة 2025 لمحكمة النقض نقطة مرجعية في تفسير المادة 52 من المرسوم التشريعي رقم 196 لسنة 2003. من خلال توضيح أن "الأسباب المشروعة" لإخفاء الهوية يجب فهمها على أنها "أسباب مناسبة"، رفعت المحكمة العليا مستوى التدقيق لطلبات إخفاء البيانات الشخصية. هذه خطوة مهمة نحو موازنة أكثر دقة بين الحق في الخصوصية الفردية والحق في المعلومات القانونية، مما يضمن حماية السرية بفعالية فقط عندما تكون طبيعة النزاع تتطلب ذلك وتستدعيه حقًا.