يعد قانون التنفيذ الجبري مجالًا معقدًا، حيث يتصادم ضمان حقوق الدائنين مع ضرورة ضمان اليقين القانوني. قدمت محكمة النقض، بموجب الحكم رقم 17195 الصادر في 26 يونيو 2025، توضيحًا هامًا للعلاقة بين تخصيص إيجارات العقارات غير المستحقة والحجز اللاحق على العقار الذي ينتج هذه الإيجارات. هذا القرار لا يحدد فقط حدود الإجراءات التنفيذية المختلفة، بل يعزز أيضًا موقف الدائن الذي تم تخصيص الحق له، مقدمًا رؤى قيمة للمهنيين والمواطنين.
لفهم نطاق الحكم، من الضروري تأطير المسألة في سياق الإجراءات التنفيذية. يسمح التنفيذ الجبري على الغير (المادة 543 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية) للدائن بالحصول على حقوق يدين بها مدينه لطرف ثالث. مثال نموذجي هو تخصيص إيجارات العقارات المستقبلية، كما هو منصوص عليه في المادة 553 من قانون الإجراءات المدنية. هذا التخصيص، بمجرد صدوره بأمر من القاضي، ينقل الدين إلى الدائن الذي تم تخصيص الحق له.
تنشأ المشكلة التي تناولتها المحكمة العليا عندما، بعد تخصيص هذه الإيجارات، يقوم دائن آخر بإجراء حجز على العقار نفسه الذي ينتج هذه الإيجارات. يُطرح السؤال عما إذا كان الحجز العقاري يمكن أن "يستولي" على الإيجارات المخصصة بالفعل أو يؤثر عليها بأي شكل من الأشكال. كان رد محكمة النقض، بالحكم رقم 17195/2025، واضحًا وحدد مبدأً أساسيًا.
إن الحكم، في نهاية إجراءات التنفيذ على الغير، الصادر بأمر بتخصيص إيجارات عقارات غير مستحقة يحدد النقل الفوري لملكية الدين المعني لصالح الدائن الذي تم تخصيص الحق له، والخروج الفوري لهذا الدين من ذمة المدين المنفذ ضده، مما ينشئ التزام الطرف الثالث المعين بالوفاء تجاه الدائن الذي تم تخصيص الحق له في المواعيد المحددة وحتى مبلغ التخصيص؛ في هذه الحالة، فإن إجراء الحجز اللاحق من قبل دائنين آخرين على العقار المنتج للإيجارات المخصصة بالفعل لا يشمل هذه الأخيرة، ولا يلغي أمر التخصيص، ولا يسمح لهيئات إجراءات التنفيذ العقاري باتخاذ قرارات تؤثر على هذه الإيجارات. (مبدأ معلن لصالح القانون بموجب المادة 363 من قانون الإجراءات المدنية).
هذه القاعدة، التي أعلنتها الدائرة الثالثة لمحكمة النقض، برئاسة الدكتور د. س. ف. وبإعداد الدكتور ر. ر.، تجسد مبدأً ذا أهمية أساسية. عمليًا، يحدد أمر تخصيص إيجارات العقارات المستقبلية نقلًا فوريًا ونهائيًا لملكية هذه الديون من المدين المنفذ ضده إلى الدائن الذي تم تخصيص الحق له. تخرج هذه الإيجارات فورًا من ذمة المدين، لتصبح ملكًا للدائن. ونتيجة لذلك، يتعين على الطرف الثالث (المستأجر) دفع الإيجار مباشرة إلى الدائن الذي تم تخصيص الحق له، وفقًا للمواعيد المحددة.
النقطة الحاسمة هي أنه بمجرد حدوث هذا التخصيص، فإن أي حجز لاحق على العقار، يتم الترويج له من قبل دائنين آخرين، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن "يهاجم" الإيجارات المخصصة بالفعل. هذه الأخيرة، في الواقع، لم تعد جزءًا من ذمة المدين، وبالتالي لا يمكن أن تكون موضوعًا لإجراءات تنفيذية أخرى. يحتفظ أمر التخصيص بكامل فعاليته، وليس لدى هيئات إجراءات التنفيذ العقاري أي سلطة للتصرف فيما يتعلق بهذه الإيجارات.
يوضح حكم محكمة النقض أن أمر تخصيص الديون المستقبلية له تأثير نقل فوري ولا رجعة فيه. هذا المبدأ له آثار عملية مختلفة:
يشير الحكم صراحة إلى المادة 363 من قانون الإجراءات المدنية، "المبدأ المعلن لصالح القانون"، مؤكدًا على أهمية هذا التوضيح للتطبيق الصحيح للقانون. يتماشى هذا المبدأ مع أحكام القانون المدني فيما يتعلق بالاستيلاء (المواد 2912، 2914، 2918 من القانون المدني)، التي تحدد آثار الحجز وفعاليته مقارنة بالإجراءات اللاحقة.
يمثل الحكم رقم 17195 لعام 2025 الصادر عن محكمة النقض نقطة ثابتة في مشهد التنفيذ الجبري، لا سيما فيما يتعلق بتخصيص ديون الإيجارات. يؤكد بقوة أن أمر تخصيص إيجارات العقارات غير المستحقة ينتج عنه تأثير نقل فوري ونهائي، مما يسحب هذه الديون من النطاق المالي للمدين ويجعلها محصنة ضد الحجوزات اللاحقة على العقار. يضمن هذا المبدأ مزيدًا من الوضوح والقدرة على التنبؤ لجميع الأطراف المعنية بالإجراءات التنفيذية. بالنسبة لمكتب محاماة، فإن فهم هذه الديناميكيات بعمق أمر ضروري لحماية مصالح موكليه على أفضل وجه.